القصة تبدأ في العام 1932، حينما عادت عازفة البيانو الشابة يوخيفاد دوستوريبسكي الى القدس من فيينا، حيث أنهت دراستها في الأكاديمية للموسيقى والفنون الاستعراضية، وأقامت في شهر آب/ اغسطس من العام ذاته مدرسة جديدة "للموسيقى والفنون الحركيّة".
إحدى أولى مهام السيدة دوستوريبسكي - كوبرنيك كانت الحصول على دعم ومصادقة بأن المؤسسة تخضع لرقابة وزارة التربية والتعليم. رغم أن هذه الوزارة اعترفت بالأكاديمية كمؤسسة تربوية وبذلك منحتها رافعة للنمو، ولكن المؤسسة احتاجت 21 سنة إضافية حتى حصلت على اعتراف كامل كمؤسسة للتعليم العالي. نقطة الانطلاق للبرنامج الدراسي كانت حسب دوستوريبسكي - كوبرنيك: "تأهيل موسيقيّ أو راقص معاصر مثقف، ذو معرفة واسعة في مهنته، يفكّر بحدّة وباستقلالية ويضع لنفسه قيمًا يسعى لتحقيقها".
السيدة دوستوريبسكي - كوبرنيك
نجحت السيدة دوستوريبسكي - كوبرنيك والتي كانت ذات خبرة واسعة في النشاط الجماهيري (فمن بين وظائفها السابقة كانت ضابطة في الهاجاناه، ومنتجة برامج موسيقية للإذاعة) بقدراتها الجمّة التغلب على مصاعب إنشاء الأكاديمية الكثيرة. حصلت في وقت لاحق على وسام "عزيز القدس" لنشاطاتها ومسيرتها الحياتية.
تم استئجار أولى الغرف لتدريس الطلاب في المدرسة القائمة اليوم (مدرسة التربية على اسم أرلوزوروف) ومع زيادة عدد الطلاب استأجرت الأكاديمية أيضًا مبنى شميدت في شارع هيلل (اليوم يشكل مدرسة "معلاه"). مصدر آلات العزف الأولى التي استخدمت في الأكاديمية كان بأملاك متروكة. فكرة تدريس العزف على البيانو بمجموعات، والتي جاءت بها المديرة الموهوبة، ساهمت في زيادة عدد الطلاب في فترات الكساد الاقتصادي بل واثبتت نجاعتها وجدواها في الجانب التدريسيّ بفضل المناقسة الطبيعية التي وُلدت بين الطلاب.
مبنى الأكاديمية والمعهد الموسيقي الأول في شارع هيلل
بعد أن تفاقمت أزمة المكان من جديد، هبّ صموئيل روبين - رئيس صندوق "نورمان" (اليوم يعرف كـ "صندوف الثقافة أمريكا - اسرائيل") لنجدة الأكاديمية وتبرّع بمبلغ سخيّ لشراء فيلا في شارع سمولنسكين. تمت ملاءمة المبنى لاحتياجات الاكاديمية ودُشّن عام 1958 بحضور رئيسة الوزراء السيدة غولدا مئير، رئيس البلدية تيدي كوليك والمزيح من الشخصيات الاعتبارية المحترمة. في إطار الحفل حصلت الأكاديمية على اسم جديد: الأكاديمية للموسيقى على اسم روبين في القدس.
حفل وضع حجر الأساس للأكاديمية على اسم روبين في شارع سمولانسكين عام 1958
في هذا العام أسست الأكاديمية إطارًا مميزًا للدراسات الصيفية، حيث تستضيف مبدعين وفنانين من كافة أقطاب المعمورة الذين يأتون للتدريس ومشاركة خبرتهم للطلاب والفنانين في إسرائيل. بين المبدعين الكُثر والمشاهير الذين حظيت الأكاديمية بحق استضافتهم في هذا الإطار نذكر - مارتا غراهام - "كاهنة الرقص المعاصر الكبرى"، عازفة البيانو ناديا رايزنبرغ، المغنية جيني توريل وآخرين.
كما تأسست في هذا العام مكتبة الأكاديمية، والتي أدارها طوال 35 سنة السيد كلود أباربانيل. في هذه السنوات جمع كتبًا، مخطوطات، أوراق نوتة، إصدارات أولى والمزيد من القطع الأخرى المميزة والنادرة الموجودة اليوم في المكتبة وفي أرشيف الموسيقى الاسرائيلية الذي تأسس عام 1988. مجموعة أوراق النوتة التابعة للمكتبة تعتبر اليوم الأكبر في البلاد وتشمل أيضًا غرف إصغاء مجهزّة بأحدث الأجهزة وأكثرها تطوّرًا.
عندما جيستوف بندراتسكي مع الأستاذ مارك كوبيتمان وكلود أباربانيل مؤسس المكتبة
كرزيستوف بينديريكي, مارك كوبيتمان مع كلود أبرافانيل مؤسس المكتبة
في العام ذاته تأسست أيضًا المدرسة الثانوية بتخصص الموسيقى التي كان مديرها الأول موشيه هيلمان. الهدف كان تحويل الموسيقى والرقص المعاصر لجزء لا يتجزأ من الإنشغالات اليومية في الإطار الدراسيّ المعتاد. لا تزال المدرسة ناشطة الى يومنا هذا، الى جانب المعهد الموسيقي (الكونسفرتوار) والأكاديمية للموسيقى تحت "سقف واحد" بإدارة مشتركة في للشؤون التنظيمية والمهنية على حد سواء.
في مطلع الستينيات من القرن الماضي، باشرت السيدة يوخيفاد دوستوربسكي - كوبرنيك بصقل وجمع مجموعة مميزة من آلات العزف الشعبية والفنية، بهدف خلق مركز جذب للطلاب والزوّار من البلاد والخارج. الأدوات وآلات العزف التي جاءت من مجموعات خاصة، كمجموعة المايسترو سيرغي كوسبيتسكي، ومن العديد من الدول التي طلبت وزارة الخارجية إجراء تبادل لآلات العزف بينها وبين إسرائيل (كرومانيا، غانا، كولومبيا، نيجيريا وغيرهم).
في العام 1963 نُظّم في حرم الجامعة العبرية في جفعات رام مؤتمر دولي بموضوع "الشرق والغرب في الموسيقى"، خلاله عُرض معرض آلات العزف لإبراز العلاقة بين الشرق والغرب. مع انتهاء المؤتمر احتفظت الأكاديمية بالمعرض وسرعان ما تطوّر ونما ليتحوّل الى متحف صغير لآلات العزف. يتواجد المتحف اليوم في الطابق الأرضي للأكاديمية للموسيقى ويشمل نحو 500 أداة وآلة عزف مصنّفة بحسب البلد الأم ومصدرها.
شباك عرض من المتحف لآلات العزف
منذ تأسيسها، وضعت الأكاديمية نصف عينيها وشددت على النتاج الإبداعيّ الفنيّ وعلى التربية والتعليم. في العام 1980 وعقب توّجه من السيدة ميخال زمورا - كوهين، رئيسة الأكاديمية في ذاك الحين، الى وزير التعليم والثقافة - السيد زفولون هامر، وصلت اللجنة الفرعية التابعة لمجلس التعليم العالي الى الأكاديمية لأخذ انطباع عن مستوى التعليم في الكلية. في أعقاب هذه الزيارة والحوارات والنقاشات التي تلته، حصلت الأكاديمية على مصادقة لمنح لقب أكاديمي لكلية تأهيل المعلمين.
في العام 1985 انتقلت الأكاديمية إلى الحرم الجامعيّ التابع للجامعة العبرية في جفعات رام. تشغل الأكاديمية اليوم كمؤسسة غير مرتبطة وليست جزءا من الجامعة العبرية، ولكن هناك تعاون أكاديمي فيما بينهما، ينعكس على سبيل المثال في منح اللقب الأول B.A واللقب الثاني M.A.Mus بشراكة بين المؤسستين. في العام 2002 انتقلت أيضًا المدرسة الثانوية الموسيقية والمعهد الموسيقي (لكونسفرتوار) الى جانب الأكاديمية، للمبنى الجديد الذي تبرع به الزوجان يونس وسورايا نزريان من لوس أنجيلس.
شهدت الأكاديمية ازدهارًا ونجاحًا خلال كافة سنوات نشاطها. يملأ خريجوها منصات العروض الموسيقية في البلاد والعالم ويشغلون مناصب مفتاحية ومركزية في مركز السياسات الموسيقية. يؤدون معلموها دورهم بنجاح واسمهم محفور في الحجر الأساس للحياة الموسيقية. قاد الأكاديمية شخصيات جماهيرية مرموقة ذوو مصداقية وأوفياء، في دربها إلى جانب الإدارة المتفانية التي حافظت على جودة التعليم الى جانب الاتزان الاقتصادي. كل هذا ساهم في تموضع الأكاديمية في الصف الأول للإنتاج الأكاديميّ - الفنيّ في البلاد.